عندما كنت حمااااااااااااااااااااار
( 1 )
كان جسدي في تلك الأيام الهانئة يبدو كجسد بغل ممتلئا صحة وعافية وكان سيدي وهو يضربني غالبا ما ينعتني بهذه الصفة: " امشي يابغل...عر يابغل...هش يابغل...بلي يبلاك يابغل "... ولا ادري هل كان يمدحني ساعتها ام انه يذمني وأيا كان قصده الا ان ذلك كان يسرني ويثير اعجابي فهو اذن يصفني بالقوة والصمود والتبلد ايضا… فالبلادة نعمة يجهل حقيقتها كثيرون.
كنت عموما افضل حظا من بعض الرفاق فقد كان سيدي الثاني خفيف الوزن ونادرا ما يضع علي ظهري احمالا ثقيلة كما لم يكن ضربه مؤلما الي ذلك الحد الذي يشتكي منه آخرون فهو يستخدم في ذلك عصا عجفاء مثل ساعده فأنا لم اكن احوجه للعنف اذ كنت مطيعا للأوامر اعرف تماما متي يريدني ان اتوقف ومتي يريدني ان اتابع السير...ولكن بحكم العادة كانت تأتيني الضربات حتي في غياب مايدعو للضرب وهذا بالطبع حكم القوي علي الضعيف.
كنت ارثي كثيرا لحال صديقي (جاغو) فقد كان سيده يفوق البغل جسامة وأشد لؤما من كلب الحراسة وفوق ذلك كان فظا غليظ القلب لايتواني عن ضربه لسبب او دونه اذ ينهال عليه بعصا غليظة حتي تكاد اضلعه ان تتهشم تحت وطأتها ويحمله فوق طاقته لكأن ثقل جسده وحده لايكفي لألحاق المزيد من الأذي.... كان جاغو دائما مايقول لي بصوت يغالب العبرات :" هذا الوغد يريد قتلي مثلما قتل والدتي المسكينة من قبل.. لم يرحمها حتي وهي في آخر مراحل الحمل... يضربها بقسوة ويحملها بأثقال تنوء بحملها النوق فلم تستطع الصمود وانهارت ذات يوم وهو واثقاله علي ظهرها لترحل في صبيحة اليوم التالي وفي بطنها اخي الذي لم يكتب له ان يري النور.
عقب ان تركت دنيا الحمير مرغما وليس طوعا ادركت حقيقة انني اخرجت من الجنة لأشقي في الجحيم اذ لم تكن معاناتي شيئا يذكر مقارنة بما اعيشه واعانيه في حياتي الجديدة هذه او قل بلواي بالأحري... كنا هنالك ننهق متي نشاء وكيفما نشاء ونعبر عن انفعالاتنا وما يجيش بنفوسنا علي النحو الذي نريده نحن الحمير...كان في وسع سادتنا شد اوثقتنا كيفما شاءوا لكن ليس في وسعهم كبت افواهنا او منعنا النهيق فنحن ننهق وقتماء نشاء في الصباح ننهق وعند الضحي ننهق وفي المساء ننهق... لن يستطيع احد ان يمنعنا النهيق فالحمار الذي لا ينهق في عرفنا حمار ميت.... كذلك حين نريد الركض فان في وسعنا ان نركض علي النحو الذي نريده كلما تحررنا عن الأصفاد.... نمضي بعيدا نتسابق وراء جحشة اعلنت عن انوثتها للتو فالذي يفلح في الوصول اليها قبل المنافسين الآخرين يكون صاحب الحق المطلق مذ يضع قائميه علي مؤخرة ظهرها دون اعتراض من اي ممن هم في حلقة المنافسة فسرعان ما ينفضون كل في حال سبيله وهذا ما ليس له وجود في عالمي الجديد حيث يكون في وسع الأنثي ان ترضي جميع المتنافسين طالما انهم يدفعون المقابل.... وما هذا المقابل!؟.... امر يثير الأشمئزاز ومخالف لأعراف الطبيعة فمتي كانت العواطف تباع وتشتري؟!!
كانت الأتان الفتية كما اسلفت تقبل بالتزاوج مع من يصل اليها اولا فلا تعيب فيه امرا مالم يكن غير قادر علي التزاوج معها واشباع رغباتها. أواه لتلك الأيام الرائعة.. ليتها تعود ثانية او ان اعود لها!!!
فاتني ان اقول ان العقاب المؤلم الوحيد الذي تلقيته علي يد سيدي كان بسبب (زيزا) تلك الجحشة الضامرة ذات العينين الكاحلتين الناعستين...كنا علي وشك التآلف وكانت قاب قوسين من النضج.. كانت ما ان تراني حتي تبطيء حركتها وتكثر من الالتفات نحوي وشيئا فشيئا بات لا يحلو لها سير الا علي مقربة مني وحتي تلك اللحظة لم يكن قد تم تطويعها ولم يعتل احد ظهرها وان كان ذلك قد بات متوقعا حدوثه بين لحظة واخري... كنا كثيرا مانتقابل ولايحول بيننا الا ذلك الوثاق اللعين لكن عدا ذلك ماكنت افرط في لحظة دون ان اكون معها فنحن دوما معا. كنا عندها نركض بعيدا عن البيوت حتي نصل الي حيث المراعي وهنالك نظل نرعي الحشائش متقاربين حتي ان جسدينا يلامسان بعضهما وتتمخض عن ذلك سعادة تكاد تغمرنا ونظل نتهامس ونتصور معا احلامنا لليوم القادم الذي لم يكن يفصلنا عنه سوي ايام قلائل.
ذات اصيل كنت قد نجحت للتو في التخلص من ذلك القيد بمحض القوة فلم انتظر الوقت المحدد لأخلاء سبيلي فقد كنت اخشي ان تفتقدني (زيزا) او ان يتسابق خلفها الرفاق في غيابي فيفوز بها سواي وكنت ادرك تمام الادراك ان تحرري عن القيد علي ذلك النحو سيكون ذا اثر سيء وان سيدي لن يتواني عن ضربي وانه سيحكم شد الوثاق بحيث لاتنجح اي محاولة من قبلي في سبيل التخلص منه في المرة القادمة ولكن مع ذلك فعلت فعلتي ولم اخش عقباها فحبي لزيزا كان اكبر من ان يقاوم وكنت متلهفا للقائها اذ كان ذلك هو اليوم الذي اجعلها تحس بذكورتي وانعم بدوري بأنوثتها...لم اعبا لما سوف يحدث ليقيني بأن القيد مهما كان محكما فأنه سيرضخ امام قوة الأرادة.. فقط ينبغي علينا ألا نكف عن المحاولات الي ان يهن .
ولدهشتي فان زيزا لم تكن هنالك وظننت ربما انها كانت منتظرة في الجانب الآخر من المرعي مخافة ان يصل اليها منافس سواي قبل وصولي لكن هذا ايضا لم يحدث ولم تكن موجودة حيث توقعت ان اجدها... ركضت هنا وهناك علها تسمع نهيقي فتهتدي الي مكاني او ان تنهق هي فأهتدي الي مكانها لكن برغم ذلك لم اتلق ردا ولا جوابا عدا السكون المريب الذي يبعث المزيد من القلق... جن جنوني ساعتها وظللت اركض في كل الجهات وانهق نهيقا لا ينقطع حتي بح صوتي.... ودفعني اليأس ان أسائل بعض المتسكعات من بنات جنسي ولكن دون طائل فلا واحدة من بينهن تدري عنها شيئا... شممت التراب في كل الاتجاهات وبحثت عن اي اثر يقودني اليها غير اني لم افلح في العثور علي شيء وعندها آثرت ان امضي الي دار سادتها فربما كانت في حظيرتها دون ان يسمح لها بالخروج ولكن تبين لي ان الحظيرة خالية الا من ماعزة وضعت جنينها للتو .. اذن هي غائبة ...ا ليست في الحظيرة ولا في المرعي ولا في اي من الأزقة او اماكن القمائم.
انصرفت تملأني الحيرة المختلطة بالحزن هائما علي وجهي لا اقصد وجهة بعينها ولا ادري الي اين تسوقني الخطي وخواطر عدة تجوب ذهني.... هل نسيت زيزا امري بهذه السرعة وباعت مودتي ببخس و فرت مع آخر ظهر امامها فجأة واغراها بفحولته ام ان امرا اشد سوءا قد حدث ؟!
بالفعل كان توقعي الأخير هو ماحدث بالضبط فقد احطت علما من لدن صديقة قديمة ان زيزا قد اخذت الي سوق الحمير حيث جري بيعها ولم يعد لها مكان هنا وكان لذلك النبأ وقع الصاعقة واحسست للحظات طالت انني غير موجود في هذا الكون. اذكر انني انطلقت اهيم علي وجهي لعدة ايام اواصل البحث في كل فج وماكنت لأعود لولا ان عثر علي سيدي وقادني ذليلا خائبا الي حظيرتي القديمة وقد استبدل وثاقي المتهالك بآخر امتن واقوي وبقيت في قيدي لفترة طويلة دون ان يسمح لي بالخروج وماكدت اتحرر عن ذلك القيد لولا الهزال الذي اصابني وارغم سيدي ان يخلي سبيلي فقد عافت نفسي اي طعام واكتفيت فقط بشرب جرعات معدودة من الماء .
عفوا فقد فات علي ان اخبركم عن سيدي السابق فهو وان لم يكن يعتلي ظهري الا انه كان يستخدمني في جر عربة الكارو معظم ساعات اليوم فأظل مترنحا في الأزقة الضيقة وعلي شوارع الأسفلت علي مقربة من الشاحنات والمركبات التي كثيرا ماتبعث الخوف في نفسي الا انه لا يخلو من عدل فقد كان هذا العمل اي جر الكارو مناصفة بيني وبين رفيق آخر يوم لي ويوم له. آه آه لتلك الأيام السعيدة.... اين انت الآن يا (جوب ) الكسول؟! ... كنت اري اثر العصا واضحة علي جسده عندما يعود الي معقله بجواري بعد انتهاء نوبة عمله وكنت ساعتها اسأله ضاحكا عن الذي بدر منه فاستحق عليه كل هذا العقاب فيجيبني ساخرا: " سيدي هذا يريدني ان اكون اسرع من السيارات ويريدني كذلك ان اتوقف في ذات اللحظة التي يأمرني فيها بالتوقف دون مراعاة لحافري المشقوق.
حقيقة ان سيدي السابق ليس كهذا الأخير فقد كان اشد عنفا وضرباته موجعة ومؤلمة ويمارس الضرب في احيان كثيرة دونما سبب واضح خاصة عندما يغضبه احد ما فأنا اعزو لعنتي التي اصبت بها اليه ففي مرات عديدة وعندما يغضبه موقف من المواقف اظل اتلقي منه ضربات بالغة القسوة بين حين وآخر مرددا: " ليتني كنت مثلك... ليتني كنت حمارا.... ليتني كنت بهيمة آكل وألقي بروثي في ذات المكان!! وكنت ساعتها اقول ناهقا تحت وطأة الألم: " ولما لا تفعل مايحلو لك ياسيدي ومادخلي انا في هذا؟ هل وقفت في طريقك يوما.. كل وتبرز حتي وانت علي ظهري... هل في وسعي ان امنعك او ان أشكو جورك.... افعل ماتريد وارفع عني عصاك "!!
اذكر انه ذات صباح كان يدفعني بين صفوف من السيارات المتراصة دون ان يزعن لأوامر شرطي المرور فلحق به واستوقفه واثناء النقاش الذي دار بينهما رأيت الشرطي يصفع سيدي علي وجهه بقوة... كنت ارقب الموقف لأري ردة فعل سيدي وعلي اي موضع من جسد الشرطي سوف تستقر عصاه التي طالما ألحت جسدي الا انه لم يفعل شيئا وعاد وعيناه تفيضان بالدموع وجاءت ردة الفعل علي ظهري انا المسكين ...ضربني بقسوة علي ظهري وعلي رأسي وعلي عنقي وعلي جانبيّ واعقب ذلك عبارته المعهودة : " ليتني كنت مثلك .... ليتني كنت حمارا...ليتني كنت بهيمة آكل وألقي بروثي في ذات المكان "..... ولو ان سيدي فطن الي نظراتي المنكسرة لقالت له : " انا ليس من صفعك.... كان الشرطي اولي بتلقي مثل هذه الضربات الموجعة " !!
كان كلما اغضبه موقف يدفع ثمن ذلك شخصي الضعيف ففي مواقف تتكرر بين حين وآخر اتحمل مثل هذا العبء الثقيل فمثلا في المرة التي استوقفه فيها جباة الضرائب ليأخذوا منه ايراد يوم بأكمله انهال عليّ ضربا مرددا عبارته المعهودة متمنيا لو انه كان مثلي حمارا... ويفعل مثل ذلك ايضا كلما استوقفته لجان النظام بحجة ان الحمير تلطخ شوارع الأسفلت بفضلاتها واعجب ما في الأمر ان ذلك لا ينطبق علي عربات الكارو ذات الأربعة عجلات والتي تجرها الخيول لكأن الخيول تتغوط برسيما وقصبا !!.... رأيت احد رجال هذه اللجان وبينما رفاقه الآخرون يجادلون سيدي , رأيته يتبول علي الجدار المقابل. وعموما فأنني لم اكن معنيا بذلك فقد اعتدت علي قضاء حاجتي اثناء وجودي في حظيرتي فقد تعلمت ذلك من التكرار لكن من يعلم سادتي رفاق اليوم ؟!!